في قلب اليمن القديم، قامت واحدة من أعظم حضارات العرب قبل الإسلام: حضارة سبأ. كانت أرضهم خصبة، وبلادهم عامرة، وتجارتهم مزدهرة حتى غدت مملكتهم مضرب المثل في الغنى والرخاء.
مملكة السدّ العظيم
كانوا أهل عمران وزراعة، فأقاموا سد مأرب الشهير، الذي جمع مياه السيول وحوّل الصحراء القاحلة إلى جنة خضراء.
ازدهرت مزارعهم بالبساتين والكروم.
امتلأت أراضيهم بالأنهار الصناعية.
أصبحت بلادهم أشبه بالجنة على الأرض، حتى قال الله:
> {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور} [سبأ:15]
حضارة التجارة والقوافل
لم تكن سبأ زراعية فقط، بل سيطرت على طرق التجارة بين الهند وبلاد الشام ومصر.
اشتهرت بقوافل البخور واللبان.
أقامت علاقات مع ممالك قوية، مثل الروم والفرس.
بنوا مدنًا عظيمة وقصورًا شامخة.
الملكة بلقيس والعرش العظيم
من أبرز رموز هذه الحضارة الملكة بلقيس، التي اشتهرت بحكمتها وعرشها المبهر.
وصف القرآن عرشها بالعظمة والفرادة.
هي التي جاء ذكر قصتها مع النبي سليمان عليه السلام، حين أسلمت لله رب العالمين.
كانت شخصيتها علامة على مكانة المرأة في حضارة سبأ.
الانهيار والعبرة
لكن كبقية الأمم، حين زاغت قلوبهم عن شكر النعمة، جاء التغيير.
أرسل الله عليهم سيل العَرِم بعد انهيار السد.
جرف السيل جناتهم، وحوّلها إلى أراضٍ قاحلة.
تفرّق أهل سبأ في أرجاء الجزيرة والعراق والشام، حتى أصبحوا مضرب المثل في التشتت.
> {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أُكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل} [سبأ:16]
الدرس الخالد
حضارة سبأ تلخص سنّة من سنن الله في التاريخ:
النعم تُدوم بالشكر وتزول بالكفر.
القوة بلا إيمان سراب زائل.
العمران بلا عدل لا يدوم.
> وهكذا بقيت سبأ درسًا خالدًا: أن الأمم العظيمة لا تنهار بقلة الزرع ولا
بضعف التجارة، وإنما حين تنسى شكر المنعم وتستبدل الغرور بالتواضع.