في صفحات التاريخ العتيق، برز قوم عاد كواحدة من أعظم الأمم التي سكنت الجزيرة العربية بعد قوم نوح. كانوا يعيشون في منطقة تُسمى الأحقاف (بين عُمان وحضرموت واليمن)، في صحراء شاسعة أُشير إليها في القرآن الكريم:
> {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه} [الأحقاف:21]
قوة خارقة وأجساد عملاقة
كانوا يتميزون بقوة بدنية هائلة، حتى أن القرآن وصفهم بقوله:
> {ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد} [الفجر:6-8]
🔹 كلمة إرم ذات العماد تشير إلى مدينة عظيمة بأبراج شامخة وأعمدة ضخمة، ربما كانت مركز حضارتهم.
🔹 تذكر الروايات أنهم كانوا عمالقة الأجساد، حتى أن الواحد منهم يستطيع اقتلاع صخرة ضخمة بيديه.
🔹 اشتهروا ببناء القصور المهيبة والحصون الشاهقة وسط الرمال.
حضارة الثراء والجبروت
استطاعوا أن يحولوا صحراءهم إلى واحة مزدهرة بالزراعة والتجارة.
حفروا الآبار.
زرعوا البساتين.
شيدوا المباني الفخمة.
لكن مع القوة جاء الغرور، فطغوا في الأرض وتجبروا:
> {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة} [فصلت:15]
النبي هود عليه السلام
أرسل الله إليهم النبي هودًا عليه السلام، يدعوهم إلى عبادة الله وحده ونبذ الأصنام.
لكنه قوبل بالسخرية والتكذيب:
قالوا: نحن أقوى من أن يصيبنا شيء.
زعموا أن دعوة هود تهديد لا معنى له.
العذاب والاندثار
حين أصرّوا على كفرهم، جاء وعد الله:
بدأت السماء تحجب المطر.
جفّت أرضهم ثلاث سنوات.
ثم أرسل الله عليهم ريحًا صرصرًا عاتية استمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام.
> {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية} [الحاقة:6-7]
تلك الريح قلبت حياتهم رأسًا على عقب؛ تركت مدينتهم خاوية، وأجسادهم ملقاة كجذوع النخل المقطوعة.
الدرس الخالد
حضارة عاد كانت أسطورة في قوتها، لكنها لم تصمد أمام سنّة الله في الكون:
القوة بلا عدل نهايتها الضعف.
الغرور بلا إيمان نهايته الهلاك.
التاريخ يشهد أن الأمم لا تُمحى لقلة قوتها، بل حين تطغى وتنسى رسالتها.
> وهكذا، بقي ذكر قوم
عاد في القرآن الكريم، لا كأمة اندثرت وحسب، بل كعبرة خالدة لكل جبار متكبر.